انطباعات حول "خريف ظفار"

 

 

 

سالم بن نجيم البادي

 

ذهبنا برفقة العائلة إلى صلالة بعد إلحاح مستمر من الأولاد، تحقيقًا لرغبتهم الجارفة في زيارة صلالة. وقد رغبنا هذه المرة في تجربة الذهاب إليها بواسطة حافلات النقل الوطني بعد أن قمنا بشحن السيارة، لنجدها في انتظارنا عند الوصول.

كان السفر عبر حافلات النقل الوطني مريحًا بفضل التكييف والمقاعد المريحة، مع إمكانية النوم والتوقف عدة مرات في الطريق لأداء الصلاة والتزوّد بالطعام.

وصلنا إلى صلالة الحالمة ليلًا؛ فاستقبلتنا بجوها الرائع البارد. ومنذ الوهلة الأولى رأينا صلالة تضج بالحياة والنشاط والفرح والمرح. وكان سعر إيجار الشقة التي استأجرناها مناسبًا.

في اليوم التالي ذهبنا إلى دربات المذهلة، فوجدنا المكان مزدحمًا بالناس الذين يمرحون ويلعبون، وقد ارتسمت على وجوههم علامات الانشراح والإعجاب والسعادة. كما توجد ألعاب جاذبة للكبار والصغار، منها السلك الانزلاقي، إضافة إلى المأكولات والعصائر التي يقبل عليها جميع الزوار.

ركبنا القارب الذي أخذنا في جولة عبر البحيرة. وقد ظهرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع تقارن بين دربات وتركيا وأوروبا وأماكن سياحية عالمية شهيرة. وبعض من شاهدوا تلك المقاطع لم يصدقوا أنها في سلطنة عُمان!

ومن دربات توجهنا إلى إطلالة دربات والتقطنا الصور عند "برواز الإطلالة"، ذلك المكان الذي كان محط إعجاب ودهشة كل من زاره.

في الليل كنا نقضي أوقاتنا في الأسواق مثل سوق الحافة، وسوق اللبان، وصلالة جراند مول، و"وفاء ووك". أما في فترة العصر فكنا نزور الأكشاك التي تبيع المشلي والنارجيل والفواكه المتنوعة، كما اعتدنا التردد على شاطئ الدهاريز وقت الغروب. وكان بعض أفراد العائلة يفضلون زيارة الكافيهات ذات العلامات التجارية المشهورة، بينما في وجبة الإفطار كانوا يفضلون فطائر صلالة الشهيرة.

وزرنا ساحة إتين أكثر من مرة للتسوق ومشاهدة الألعاب النارية. وقد لفت انتباهي وجود ما يسمى بـ"شارع الثقافة"، وعلى جانبيه العديد من المكتبات المعروفة.

كما صعدنا إلى جبل إتين، وزرنا عين جرزيز، ومررنا على الزحليقة التي تعد أطول زحليقة في الشرق الأوسط، حيث استمتع الأولاد كثيرًا.

 

كذلك ذهبنا في هايكينج مسار عين غيض، وكانت مغامرة شيقة استغرقت ساعة ذهابًا وإيابًا وسط غابة كثيفة والمطر ينهمر. مررنا ببحيرات وجداول ماء منسابة، وكانت تجربة فريدة لا تُنسى أن تمشي في الجبال وسط الغابة والمطر يتساقط.

ثم ذهبنا إلى المغسيل، وكان المكان مليئًا بالناس والأطفال يتسابقون للوقوف فوق النافورة. وفي الطريق مررنا بأطفال يبيعون حليب النوق، فاشترينا منهم قناني الحليب، وكان هذا دأبنا في كل مكان نزوره. قبيل غروب الشمس استمتعنا بمنظر البحر وأمواجه المتلاطمة.

وفي اليوم التالي توجهنا إلى شعت في ولاية رخيوت، التي تبعد عن صلالة حوالي 80 كيلومترًا. كان الطريق إليها يمر بين جبال شاهقة مليئة بالمنحنيات والتعرجات والضباب، مما جعل القيادة تحتاج إلى حذر ويقظة. وكانت وجهتنا إطلالة شعت، وهي إطلالة رهيبة ترى منها البحر أسفل منك، وبها كهف ينزل إليه الزوار حبوا.

اشترينا طعام الغداء: مضبي لحم الجمال مع الأرز، ثم انطلقنا سيرًا على الأقدام إلى عين روب، والوصول إليها كان صعبًا ويحتاج إلى لياقة بدنية. وقد نصحنا كثير من المارة بالعودة لبعدها واقتراب حلول الظلام، لكننا واصلنا حتى وصلنا بعد أن مشينا وسط غابة كثيفة الأشجار وطريق ضيق والبحر أسفلنا. عدنا إلى صلالة بعد أن حل الظلام واشتد الضباب، وقدت السيارة بصعوبة بالغة حتى أني لم أكَد أرى شيئًا في ذلك الطريق المتعرج.

في اليوم التالي حاولنا الحجز لزيارة مزرعة رزات لكننا فوجئنا بنفاد التذاكر؛ فتوجهنا إلى عين رزات؛ حيث كان المطر ينهمر بغزارة، والتقطنا هناك صورًا جميلة. بعدها زرنا منطقة وادي عين المليئة بالضباب والمرتفعات الخضراء.

وهكذا زرنا معظم الأماكن وفق برنامج معد مسبقًا.

وخلاصة القول: إن خريف صلالة هذا العام كان قويًا، وقد كانت المدينة كلها جميلة مفعمة بالفعاليات: في سمهرم، و"عودة الماضي"، وساحة أتين، والأسواق، والحركة التجارية النشطة.

صلالة تستحق كل الألقاب التي تُطلق عليها: جنة الأرض، وسويسرا الشرق الأوسط، وأجمل مكان في العالم. هي حقًا تستحق الزيارة، وأجمل ما رأيناه وأسعدنا هو كثرة الزوار ووجود الناس بكثافة في كل مكان. غير أن بعض الزوار كانت لديهم ملاحظات، مثل: الحاجة إلى زيادة عدد دورات المياه في بعض المواقع لتجنب الطوابير، وأهمية مكافحة البعوض الذي ينتشر في أماكن عدة مثل سهل أتين وعين غيض. وقد لاحظت في عين رزات جهازًا لصيد البعوض، ولو تم تكثيف استخدام هذه الأجهزة أو ابتكار طرق أخرى صديقة للبيئة، لكان ذلك أفضل.

وقد عدنا إلى ولايتنا بالسيارة، على أمل أن يتم قريبًا الانتهاء من ازدواجية طريق السلطان سعيد بن تيمور من ثمريت إلى هيماء.

كانت رحلة ماتعة حقًا، وكأننا كنا في حلم لا نريد له نهاية.

الأكثر قراءة